آخر تحديث 20.11.2025
لطالما كانت البيانات هي المحرّك الأساسي لكافة الأسواق المالية والاقتصادية. وكان الأمر مسألة وقت، قبل أن تتمكن البيانات الرياضية من الهيمنة هي الأخرى على قرارات أصحاب القرار في كبرى الأندية الرياضية.
تحليل البيانات في كرة القدم أصبح أمرًا أساسيًا في الأندية الكبرى، وله تأثير كبير على كافة القرارات المُتخذة، وأصبح التدريب المستند على البيانات هو تدريب المستقبل، فمن أين أتت الشرارة الأولى؟


يعمل خالد في مجال المراهنات الرياضية منذ عام 2012. وقد اختبر المئات من وكلاء المراهنات وكتب آلاف المقالات والتوقعات الرياضية، مما ساعده على أن يصبح خبيرًا في هذا المجال.
10 دقائق للقرأة ⏰
البداية من ليفربول!
ربما سمع المهتمون بكرة القدم للمرة الأولى عن أهمية البيانات الرياضية وتحليل البيانات في كرة القدم مع الطفرة التي أحدثها فريق ليفربول الإنجليزي، في عهد مدربه الألماني يورجن كلوب.
فالفريق لم يحصل على لقب الإنجليزي الممتاز منذ العام 1990، واستقدمت إدارة النادي الألماني كلوب ليبدأ مشواره مع الفريق بدءًا من موسم 2015 / 2016.
البداية كانت بطيئة، لكن سرعان ما ظهر للجميع بأن كلوب يقود ليفربول نحو أمر استثنائي بكل تأكيد، على الرغم من أن ميزانية التعاقدات لم تكن موازية للأندية الأوروبية المماثلة.
استقدم ليفربول بعض اللاعبين المميزين مثل محمد صلاح، وساوديو ماني، وروبرت فيرمينو. وقتها، لم يكن أسمًا من هذه الأسماء من نجوم الصف الأول.
ومع ذلك، فقد تمكّن الألماني من تحقيق المعجزات بهذه الأسماء التي لم تحز على شهرة كبيرة حينذاك، لينجح في تحقيق لقب دوري أبطال أوروبا في المحاولة الثانية، وتحديدًأ في موسم 2018 /2019، بعد أن حرمته إصابة صلاح الشهيرة، ولاعبو الملكي من اللقب في المحاولة الأولى.
لقب دوري الأبطال حينذاك كان الأول منذ موسم 2005، حين توّج به ليفربول بعد أن نجح في التفوّق بضرباء الجزاء على ميلان الإيطالي.
إلا أن اللقب الأقرب إلى قلب جمهور المدينة كان غائبًا منذ ثلاثين عامًا. كلوب مع ذلك، كان عازمًا على استعادة اللقب، وهو ما حققه في موسم 2019 / 2020، وكانت مفاجأة كبيرة.
ابنرى بعدها المحللون في دراسة هذه الظاهرة، وكيف يمكن لمدرب بمستوى مميز أن يصنع هذه المعجزات بفريق لا يضم أي نجم من نجوم الصفوف الأولى من حيث الشهرة.
والإجابة كانت غريبة بعض الشيء وصادمة للمحللين، إذ أن الأسماء التي وقع عليها اختيار كلوب لم تأتي بشكل عشوائي، بل جاءت اعتمادًا على البيانات الرياضية التي زودها به مساعدوه.
إذ اتضح أن مساعدوه كانوا يعتمدوا بشكل رئيسي على إحدى برامج تحليل البيانات في كرة القدم، وهو ما منح المدرب الالماني المحنّك إمكانية التدريب اعتمادًا على البيانات المقدّمة، واتخاذ قرارات أفضل.
لم تهتم هذه البرمجيات التي تطورها شركات التكنولوجيا الرياضية بالأسماء الكبرى، بل اعتمدت على إحصائيات مجرّدة. كان يختار فريقه ميزانية محددة للتعاقد مع اللاعب، ومنحتهم تلك البرامج مجموعة كبيرة من الخيارات، اختار الألماني من بينها هذه الأسماء الناجحة.
انتبه العالم إلى الثورة التي يمكن أن تُحدثها البيانات الرياضية في قسم التعاقدات مع اللاعبين الجدد، وكيف يمكن أن تساعد هذه البيانات في بناء فرقًا عالية التنافسية.
الذكاء الاصطناعي لتقليل الإصابات!
لا يقتصر دور البيانات الرياضية أو تحليل البيانات في كرة القدم على تقديم صفقات أفضل للاعبين جدد يمكن استقدامهم للعب في صفوف الفريق، بل تعمل كذلك على الحفاظ على لياقة وجودة لاعبي الفريق.
نشر موقع “ياهو” الشهير بنسخته المخصصة للمملكة المتحدة مقالًا مؤخرًا تناول فيه كيف تؤثر أدوات الذكاء الاصطناعي على خفض وتيرة الإصابات إيجابيًا في كرة القدم الأمريكية!
فكرة القدم الأمريكية واحدة من أبرز الرياضات التي يعاني لاعبوها من الإصابات المتكررة، بعضها يمكن أن يعصف بمسيرة اللاعبين تمامًا.
وعليه، فقد قام اتحاد كرة القدم الأمريكي بالتعاون مع شركة أمازون لاستخدام إحدى منتجات ذكائها الاصطناعي التي تقوم بتحليل مئات الساعات من فيديوهات اللعب.
تحليل البيانات في كرة القدم الأمريكية في هذه الحالة يعتمد بشكل رئيسي على محاولة توقّع أي اللاعبين قد يكون عرضة للإصابة بشكل أكبر.
فكما يقول “جوليو سوزا” رئيس قسم الرياضة في أمازون لخدمات الويب ” المشجعون يرغبون في رؤية لاعبيهم المفضلين بالملعب، وكذا مالكو الفريق، واللاعبون أنفسهم بالطبع يرغبون في هذا”.
وأضاف مسترسلاً ” ونحن في أمازون نحرص أن نبذل قصارى جهدنا لتقديم البيانات الرياضية الخاصة بإجهاد اللاعبين وصحتهم بشكل عام، حتى يتمكن اللاعبون من التدريب اعتمادًا على البيانات”.
وهذه الموسم هو الثالث لأداة البيانات الرياضية هذه، والتي تساعد الفرق 32 المشاركة في دوري كرة القدم الأمريكي على الحصول على البيانات الضرورية لسلامة لاعبيها.
وقد صرّح المسؤولين الطبيين في عدد من الأندية بأن هذه المنصة اكتسبت أهمية كبيرة، إذ تساعدهم في مراقبة لياقة اللاعبين البدنية عن كثب، وتجمع لهم قدرًا كبيرًا من البيانات في مكان واحد.
ولتقديم مثل هذه البيانات الرياضية، يعتمد برنامج AWS على حساسات توضع في كتف اللاعبين، وكاميرات تركّب في زيهم، لتتبع الحركة والاصطدامات وما شابه.
برنامج AWS ليس هو الوحيد المستخدم في دوري كرة القدم الأمريكية، إذ يستخدم برنامجًا آخر اسمه (NextGen)، وهو مسؤول عن تحديد اللاعب الأسرع في الملعب.
ينتج برنامج نيكست جين 500 مليون نقطة بيان رياضي خلال الموسم. بينما ينتج AWS نفس الكمية خلال أسبوع واحد فقط! وهذا يعني أن تسخير الذكاء الاصطناعي في الحالة الثانية ضروري للتمكّن من مراجعة هذه البيانات خلال فترة زمنية مقبولة.
إذ يعمل البرنامج على تتبع ما يصل إلى 1500 لاعب، ويقدّم للمدربين هذه البيانات الرياضية التي تُستخدم لمحاولة تجنّب الإصابات المتكررة مستقبلًا.
وصرّح المدربون أنهم يقومون باستخدام هذه البيانات الرياضية للتخطيط للموسم الجديد، بدءًا بتخطيط الجولات التدريبية، وصولًا إلى اللاعبين الذين يجب إراحتهم لتجيبهم الإصابة.
وقال بعض المدربين أن البيانات عادة ما تتفق مع تقديراتهم، ومع ذلك، ففي بعض الأحيان تقدّم البيانات الرياضية إشارات لأمور قد يغفلها الفريق الطبي، مما يساعد في تدارك الأمر وتجنّب الإصابة.
البيانات الرياضية وخطط اللعب!
وبعدما استعرضنا دور البيانات الرياضية وتحليل البيانات في كرة القدم باستخدام الذكاء الاصطناعي في توفير رؤية أفضل لأسواق الانتقالات والصفقات المتاحة، وتجنيب اللاعبين للإصابات، نستعرض الآن دورها في التخطيط الفني!
نشرت صحيفة الشرق الأوسط تقريرًا عن بدء استخدام نادي ليفربول الإنجليزي لتطبيق “TacticAi” وهو تطبيق تم تطويره بالتعاون مع فريق Deep Mind التابع لشركة جوجل.
التطبيق بالأساس مصمم لتطوير التعامل مع الركلات الركنية التقليدية على وجه التحديد، وكيف يمكن الاستفادة القصوى منها.
التعاون بدأ في العام 2010، والهدف الرئيسي من تطوير البرنامج أن يعمل كمستشار تقني، يقوم باستخدام أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لتقديم اقتراحات أكثر فاعلية لتنفيذ الضربات الركنية على وجه التحديد.
تم تغذية البرنامج ببيانات ما يصل إلى 7176 ضربة ركنية قام بها فريق ليفربول منذ العام 2010، وبعد تحليل هذا الكم الكبير من البيانات، بدأ البرنامج في تقديم رؤيته لاقتراحات جديدة تكتيكية لتنفيذ الركلات الركنية.
النتائج جاءت مبهرة للغاية، إذ أن ما يصل إلى 90% ممن قيّم نتائج البرنامج أجمع على أن اقتراحاته التكتيكية أفضل كثيرًا من الاقتراحات الكلاسيكية التي جاءت اعتمادًا على الخبرة البشرية، لا على البيانات الرياضية.
وعن التفاصيل الدقيقة، نجح برنامج “TacticAI” في تخمين أو اختيار اللاعب الأفضل المتلقّي للكرة بعد لعب الركلة الركنية بنسبة وصلت إلى 78% من المرات.
سوف يساعد هذا الأمر المدربين على الناحيتين، الأولى هي الناحية الهجومية بالطبع، إذ تتيح لهم الوصول لأفضل صيغة يمكن أن تهدد مرمى الخصم.
وعلى الناحية الأخرى، فهو يساعد كذلك في الناحية الدفاعية، إذ يتيح للمدربين تحديد السيناريو الأخطر ونقاط الضعف في خطوطهم الدفاعية التي يجب تجنّبها.
لا يستخدم برنامج TacticAI البيانات الرياضية فحسب، بل يقوم بعملية تحليل البيانات في كرة القدم استنادًا لنماذج ذكاء اصطناعي تُعرف باسم “نماذج التعلّم الهندسي العميق”.
تساعد هذه العملية التي تنتهجها بعض شركات التكنولوجيا الرياضية، في تحليل عدد كبير من المسارات الروتينية للاعبين، ومحاولة التنبؤ بالمسار الأكثر نجاحًا في كل مرة.
وقد صرّح ممثل فريق جوجل ديب مايند ” أن الهدف الأساسي من هذا البرنامج هو أن يكون معاونًا للمدربين وليس بديلًا عنهم بأي شكل من الأشكال”.
واسترسل قائلًا ” يقوم هذا البرنامج بالعمل الثقيل على الجانب التحليلي والإحصائي، من أجل منح المدربين فرصة أفضل في التركيز على الجانب الإبداعي الفني”.
ومن المتوقع أن تمتد أثار وإمكانات برنامج TacticAI إلى ما هو أبعد من تحليل الركلات الركنية ومحاولة اقتراح المسار الأفضل، إذ يُعتقد أن البرنامج سيشهد تطورًا كبيرًا خلال الأعوام القادمة، ليكون مستشارًا فنيًا قويًا، يساعد المدرّبين في وضع الخطط والتكتيكات الفنية استنادًا إلى ما يقدمه من البيانات الرياضية والتحليلات القائمة على الذكاء الاصطناعي.
خاتمة عن تحليل البيانات في كرة القدم
لطالما كانت البيانات الرياضية ركنًا أساسيًا للوصول إلى أفضل القرارات من قِبل المدربين والمسؤولين. ولطالما كان تحليل هذه البيانات بمثابة موهبة ينفرد بها الموهوبون في التعامل مع الأرقام وقراءة البيانات، ومن يملكون حسًا كرويًا مميزًا.
ولكن الذكاء الاصطناعي يظهر وبقوة في كرة القدم، تقدّمه برمجيات شركات التكنولوجيا الرياضية لدعم التدريب اعتمادًا على البيانات.
ربما لا يعني هذا أننا لن نرى محللو البيانات بجوار المدربين على دكة الاحتياطي أثناء المباراة، لكن قد يعني هذا بيانات أفضل، وتحليلات أفضل، وتكتيكات مقترحة قد تغيّر كثيرًا من شكل كرة القدم كما نعرفه.
الأندية الكبرى التي كان لها السبق في استخدام هذه الأدوات، سيكون لها السبق كذلك في الحصول على بيانات حصرية تمنحها أفضلية على الفرق المنافسة الأخرى.
والفرق كلها سوف تستفاد من البيانات الرياضية المتاحة لتحليل إجهاد اللاعبين، واحتمالية تعرضهم لإصابة خلال الموسم مع الجهد البدني الكبير.
وبالنهج الجديد الذي يتبعه الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا”، من إضافة بطولات جديدة وزيادة التنافسية في البطولات الحالية، من المتوقع أن يزداد الحمل البدني على اللاعبين بكل تأكيد.
وهنا تبرز أهمية البيانات الرياضية وتحليل البيانات في كرة القدم في هذه الفئة للحفاظ على مسيرة اللاعبين المهنية، وعلى خزائن أنديتهم التي تتكلف كثيرًا في علاج الإصابات، أو حتى في اضطرارها للاستغناء عن خدمات لاعبين في أوقات مهمة خلال الموسم.
اقتناص المواهب الجديدة سيصل إلى مستويات استثنائية، إذ سيخر الأمر تمامً عن تحكّم قناصي المواهب المعتادين، الذين كان من الممكن أن يغفلوا موهبة بعينها لعدم شهرتها أو وجودها في دوري مغمور.
قد يصعب تخيّل ما يمكن أن تقدّمه البيانات الرياضية وتحليل البيانات في كرة القدم باستخدام الذكاء الاصطناعي خلال الأعوام القادمة، لكنه بكل تأكيد سيزيد من تنافسية المباريات، ويحافظ على لياقة اللاعبين البدنية.

يعمل خالد في مجال المراهنات الرياضية منذ عام 2012. وقد اختبر المئات من وكلاء المراهنات وكتب آلاف المقالات والتوقعات الرياضية، مما ساعده على أن يصبح خبيرًا في هذا المجال.
